الجمعة، 12 ديسمبر 2014


الام العظيمة


كما هي عادتها كل يوم تهتم بطفلها الأشقر الصغير والجميل أشد الاهتمام، فهي التي تحثه وتهيئه إلى طلب العلم، وتهتم لشؤونه، ولا تترك ذلك للجارية ! . فهي تعلم عظم دورها وتأثيرها في النشء والجيل، و هي أيضا تعي جيدا أن الأم هي المدرسة الحقيقة التي تربي الأجيال. وهي صاحبة الفضل بعد الله على ولدها، الذي سيصبح يوما حديث القاصي والداني. لقد رأت بفطنتها أن ولدها هذا سيكون له شأن عظيم، كيف لا وهي أمه. فيا ليت الأمهات يعلمن أنهن اللواتي يصنعن المجد في أبنائهن وبناتهن.

وقد أوصته وهو دون السابعة فقالت له يا بُني « اذهب إلى ربيعة الرأي وتعلم منه الأدب ! هذه الأم كانت لها نظرة مستقبلية بعيدة الأمد، فهي تعلم أن العلم في عصرها كان منتشرا فقد اشتهرت مدينتها بكثرة العلماء. ولكنها أرادت لولدها أن يتميز عن البقية، فهي تعلم أنه وعاء للعلم وأن حفظه لايبارى . فسبحان الله، حين وهب للأمهات الرحمة ، وفضل بعضهن بالفطنة والفراسة. فلذلك أرادت لأبنها أن يحوز الكمال )ولله الكمال وحده(، وما أجمله وأكمله من علم إذا اقترن بالأدب.

فنشأ هذا الطفل وهو يُجل أساتذته وشيوخه، ويوقرهم أشد التوقير . فاجتمع هذا الفتى يوما مع معلمه ربيعة الرأي، وشيخهما ابن شهاب الزُهري . فطُرحت مسألة علمية، فأجاب ربيعة الرأي، فقال الزهري للفتى أجب عن المسالة، فقال بكل أدب واحترام لقد أجاب الأستاذ )
يعني شيخه ومعلمه ربيعة الرأي( . فأصرّ الزهري وقال لا نقوم من مجلسنا حتى تجيب على المسألة، فأجاب ذلك الفتى وأبدع وأذهل من حوله، فما كان من الشيخ الجليل الزهري إلا أن قال أكتبوا ما قال ذلك الفتى !. فا ليت أبناءنا وبناتنا يتعلمون الأدب مع المعلم أو الأستاذ أو الشيخ وإن اختلفوا معه، فالأدب قرين العلم وربما هو تاجه.

ولعل هذه الأم من حيث تعلم أو لا تعلم، قد تركت بصمة في التاريخ، حيث انتقل نموذج أدب العلم من ابنها إلى تلامذته. فقد قال عنه تلميذه عبدا لله بن وهب إمام مصر «صحبت الإمام مالك عشرين سنة، فتعلمت منه العلم في سنة، والباقي تعلمت فيها الأدب ) حسن الخلق (، ويا ليت كلها كانت في الأدب ! « فأنت يا عالية بين شريك الأزدية ) أم الإمام مالك( لك كل الفخر في صناعة الأدب. وها هو التاريخ ينحني لك احتراما وتقديرا، ويحصد مازرعت جيل بعد جيل , فرحمك الله رحمة واسعة. وصدق فيك قول أمير الشعراء )أحمد شوقي( حين قال: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.

فيا ليتنا نتعلم الأدب ثم الأدب ثم العلم، فيصبح هو رفيقنا في بيوتنا وأعمالنا وشوارعنا ! فالأدب قد يكون معديا أحيانا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق